تقدم العمدة إلى مأمور المركز طالبا مقابلة عاجلة.. استقبل البيه المأمور العمدة هاشا باشا: أهلا وسهلا، أخبار البلد إيه يا عمدة.. بصوت مخنوق أجاب العمدة: حال البلد ولا يسر عدوا ولا حبيبا.. رد المأمور: لماذا يا عمدة؟ الدنيا فلة والأمن مستتب.. أجاب العمدة: يا بك أنا حضرت لك لأقدم شكوي رسمية، وأتمنى أن تفتح لى محضرا.
أجاب البيه المأمور: الأول طمنى، هل أحد من أولادك اختفى لا قدر الله؟ .. هل حدث سطو على بهائمك يا عمدة؟ هل سرق أحد محصول أرضك، غلتك وقطنك؟. اجاب العمدة: أبدا يابك، أولادى بخير، وبهائمي بخير، ومحاصيل أرضى بخير، وخفرائي بخير، والسلاحليك بخير. إذن، ما المشكلة؟ قالها البيه المأمور بحدة.. أجاب العمدة بصوت يجاهد البكاء: البركة سرقت يا بك، البركة ضاعت يا بك، البركة خرجت من زمام البلد ولم تعد. أجاب البيه المأمور: وما دليلك يا عمدة على سرقة البركة وضياعها من البلد؟.
رد العمدة: لدى أدلة وليس دليلا واحدا يا بك.. الأزواج يتشاجرون مع بعضهم البعض، والطلاق يقع لأتفه الأسباب.. وكأن الأزواج نسوا أو تناسوا المودة والرحمة، الطلبة والطالبات يذهبون الى المدارس ويعودون بلا علم نافع، ويصرون على أخذ دروس خصوصية بأعباء ثقيلة على آبائهم وأمهاتهم. المصلون يخرجون من صلاة الجمعة، وبعد الاستماع للخطبة عن مكارم الاخلاق ومنهم من يغش ومنهم من يقطع رحمه ومنهم من يعق أبويه ومنهم من يفسد فى الأرض، الناس التى كانت ترحب بكل عابر سبيل وتقول تفضل تفضل، أصبحت تسأل هل لدينا شاى وسكر؟ وتكتفى برد السلام أو حتى إبداء عدم السمع ولا تقول للضيف ولا عابر السبيل تفضل.
قال البيه المأمور: ياعمدة هل تتهم أحدا معينا أو جهة معينة بسرقة البركة من البلدة؟. قال العمدة: حاشا لله أن أتهم أحدا بغير دليل أو بينة .. ربما تعرضنا لمؤامرة لا أعرف من وراءها لسلب البركة من قريتنا.. وربما المشكلة فينا نحن يابك، ربما ينقصنا الإخلاص، ربما تعايشنا مع الظلم، ربما لم نتعاطف مع المظلومين واعتبرناهم نسيا منسيا، ربما لم نحمد ولم نشكر بما يليق بنعم الله علينا، ربما لم نحافظ على قيمة ومكانة قريتنا يا بك.
ترك البيه المأمور القلم، وسأل العمدة بحدة: هل تطلب منى تحويل كل أهالى البلد للنيابة.. أم تطلب منى تحويلك أنت شخصيا للنيابة واتهامك بإضاعة البركة؟ أم تطلب منى تكليف المباحث بالبحث عن البركة المفقودة وضبطها وإحضارها .. أم تطلب منى إرسال الضباط والمخبرين والخفراء بميكروفونات لينادوا أنت فين يابركة؟ .. يا حضرة العمدة الله سبحانه وتعالى يعطى البركة لمن يستحقها ولمن يقدرها ولمن يقابلها بالحمد والشكر والسعى لإسعاد الآخرين.. البركة يا عمدة ستعود من تلقاء نفسها إذا رفعنا الظلم وحاربنا الفساد وإذا التزمنا بأن الناس سواسية وكلهم سواء فى الحقوق والواجبات وأمام القانون.
رد العمدة: كلامك صح يا حضرة البيك المأمور، البركة ستعود عندما نعود إلى إنسانيتنا ونعود إلى ضمائرنا، ونلتزم الصدق مع الآخرين ومع أنفسنا.
قام العمدة من مجلسه وصافح المأمور ومشى ناحية باب المكتب، ثم التفت فجأة وقال: أشوف وشك بخير يا بك.. رد المأمور: خير يا عمدة ستسافر؟ رد العمدة: لا يابك، سأبدا الصدق مع نفسى وأتنحى عن العمودية، وأترك الفرصة لمن ربما يكون أفضل منى، وربما يأتى ومعه البركة ويعيدها لقريتنا وبيوتها وناسها.
صاح المخرج فى البلاتوه : ستوب برافو.. فركش انزل بتتر النهاية.
--------------------------------------
بقلم: عبدالغني عجاج